تسعى شركة "ميتاMeta" -فيسبوك سابقاً- لقيادة ثورة تقنية جديدة تغير مفاهيم استخدامنا للإنترنت بشكل عام وشبكات التواصل الاجتماعي بشكل خاص، حيث أعلنت عن بدء ثورتها بالإعلان عن الاسم الجديد للشركة من "فيسبوك" Facebook إلى "ميتا" خلال مؤتمرها السنوي لهذا العام، والذي تعني به الشركة اصطلاحاً "ما بعد" أو "ما وراء" كما تفضل تعريفه به، وتلمح به إلى الجيل الجديد من ما بعد الإنترنت الذي نعيشه حالاً، يذكر أن عملاقة محركات البحث شركة "جوجل" قد سبقت "ميتا" للانتقال في مجال "الميتافيرس Metaverse" ذلك في نهاية عام 2015.

ما تقصد شركة "ميتا" أمام الإعلام؟
تقصد شركة "ميتا" بهذا التغيير هو التحول من الأسلوب الاعتيادي في استخدام شبكات تواصل الاجتماعي إلى أسلوباً آخراً جديداً كلياً معززاً بالواقع الافتراضي الذي يخلق نوعاً من التفاعل والتعايش في بيئة رقمية مبرمجة ومعدة خصيصاً للمستخدمين، حيث يقوم المستخدم ببناء بيئته الافتراضية بنفسه وفق رغباته وتخيلاته، كما ويتشارك مع مستخدمين آخرين في بناء بيئة افتراضية اجتماعية يتبادلون بها الأدوار والمعارف.

كيف للميتافيرس أن تكون أكذوبة، وهل هو آمن؟

لا شك أن الشركات الربحية لا تقدم خدمة إلا ولها بها مآرب أخرى، لتجني منها الأرباح وتحقق بها أهدافها والأمنيات المنشودة، ولتحقيق حلم الانتقال إلى عالم "الميتافيرس" جندت شركة "ميتا" آلاف المبرمجين ومصممي الألعاب والمطورين، الذين يتعين دورهم تطوير الأدوات والأجهزة والبرمجيات اللازمة جنباً إلى جنب الشركات المصنّعة الأخرى.

واجهت شركة "فيسبوك" مؤخراً تسريبات واتهامات تبعتها دعوات قضائية جرّاء انتهاكات لخصوصية وسلامة مستخدمي شبكاتها الاجتماعية وبياناتهم، سببت هذه الدعوات موجة انتقادات واعتراضات عالمية عارمة أثارت كثير من التساؤلات عن مدى أمن وأمان المستخدمين وخصوصيتهم وحماية الشركة لبياناتهم التي تمتلكها وتديرها، حيث لم يكن للشركة ردوداً واضحة أمام العلن عن تساؤلات المستخدمين وتطمينهم، والذي من شأنه أن يبقي حالة الشك مفتوحة لدى مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي التابعة لنفس الشركة.

وما يجهله البعض امتلاك الشركة لكميات هائلة من البيانات والمعلومات والسمات الشخصية للمستخدمين، وذلك من خلال برمجيات الذكاء الاصطناعي التي تبدأ بالعمل فور تسجيل المستخدم لبياناته، لتجمع بياناته وتحلل سلوكه وشخصيته وردود أفعاله وتصنيفها بصمتٍ وتأنٍ، ذلك تحت إشراف وجهود آلاف الخبراء والعلماء النفسيين الذين يسعون دائماً إلى تحقيق أهداف الشركة ورؤيتها جنباً إلى جنب مهندسيها ومطوريها، وفي ظل عدم وجود أجوبة واضحة وصريحة من الشركة للعلن جراء تلك الدعوات تبقى حالة الشك مفتوحة لدى المستخدم من سوء استغلال بياناته ومعلوماته بما يؤثر على خصوصيته وأمنه.

من ناحية أخرى تعنى الميتافيرس بخلق بيئة رقمية افتراضية أصيلة اقتبست من بيئة المستخدم المحيطة وذلك بعد سماح المستخدم للأدوات والأجهزة الخاصة بهذه التقنية بمسحها وتحليلها ودراستها، بالإضافة إلى مسح شخصية المستخدم نفسه، معطياً بذلك إذناً لبرمجيات تلك التقنية ومن ورائها إلى دراسة وفهم انفعالاته الفسيولوجية والنفس حركية، والذي بات مما لا شك فيه بأن الشركة تسعى دائماً لبيع واستخدام وتوظيف ما تم الحصول عليه من بيانات ومعلومات وتصنيفات لجهات معنية أو لأغراض ربحية داخلية وخارجية.

من هنا يتضح مدى أهمية ونوعية المعلومات والبيانات الجديدة التي ستمتلكها شركة "ميتا" عن المستخدمين ومحيطهم وبيئتهم الحقيقية ومكوناتها، التي ستجمعها الشركة من خلال توظيف تقنياتها في الميتافيرس، كما يجب تسليط الضوء على مدى خطورة سوء استغلال هذه البيانات أو تسريبها تماماً كما حدث مطلع شهر نيسان (2021) من تسريب واستغلال بيانات المستخدمين من قبل قراصنة لم يفصح عن هويتهم، إذ قاموا بتسريب بيانات أكثر من نصف مليار مستخدم من حوالي (106) دول، حيث غردت متحدثة الفيسبوك ليلي شيبرد حينها عبر منصة تويتر: "هذه بيانات قديمة تم الإبلاغ عنها سابقاً في عام 2019. لقد وجدنا هذه المشكلة وقمنا بإصلاحها في آب/أغسطس "!َ، وهذا ما يعيدنا للتساؤل من جديد، فهل حقاً أن الميتافيرس ليس أكذوبة كبيرة تجعل الناس يتهافتون لشراء منتجاتها وتقنياتها لتزويد شركة "ميتا" ومن ورائها بكمية معلومات تفصيلية لم يتمكنوا من الحصول عليها من خلال ما يملكون من تكنولوجيا؟

أ. توفيق عبدالرحيم

باحث ومحلل شبكات التواصل الاجتماعي

كلمات مفتاحية: facebook فيسبوك Metaverse


عدد القراءات: 410