إذا أردنا مقاربة موضوع الأمن والأمان وإحاطته بالدراسة؛ فإننا حتماً نقف أمام تساؤلات تطرح نفسها؛ ما الفرق بين الأمن والأمان؟ هل هما معاً يوحيان إلى تلك السكينة وطمأنينة الروح وهدوء القلب؟ أم أنهما مرتبطان بعلاقة سببية تأثيرية تأثرية؟ إذا كان الأمر كذلك، فكيف نحقق الأمن لضمان الأمان، وما السبيل إلى ذلك؟

وقد ورد بالحديث النبوي الشريف: "من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا".

إنّ الأديان والشرائع قد وضحت بشكل كبير معنى الأمان وكيف السبيل إلى الأمن وقد تبين أنّ الأمان أنواع، أمان اجتماعي وأمان صحي وأمان غذائي... وحدد الدنيا بكل هذا.
أي أن لا حياة تستقيم بغياب الأمان .إلا أنّ الأمان أيضاً يشمل ما هو اقتصادي أيضاً، إذ يستحيل أن يعيش المرء في خوف من الحاجة إلى غيره، أو في خوف من عدم توفر الضروريات التي تضمن له العيش الكريم.

الأمان إذن هو ضد الخوف، وذلك طبقا لقوله تعالى في الآية الرابعة من سورة قريش "الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف".
والخوف ليس له وجه واحد بل عدة أوجه، فالخوف يحل محل الطمأنينة والاستقرار العام، أي الاستقرار بشتى أنواعه، ذاك الاستقرار الذي يعتبر ركيزة لاستمرار الحياة بشكل طبيعي وفق الغايات الكونية و وفق سنة الحياة. فكيف يمكن رسم مسار الحياة الطبيعية الهادئة بشكل صحيح يستجيب لمتطلبات الكرامة الإنسانية؟

إنّ الحياة بشكل عام تستدعي توفر شروط أساسية حتى تستمر وتستقر، و لعل أهم هذه الشروط؛ شرط الأمن، أي شعور الفرد والمجتمع بالطمأنينة، وإشاعة الثقة و المحبة بين الناس و ذلك بإزالة كل ما يهدد استقرارهم و عيشهم وتلبية متطلباتهم لضمان الاستمرار في الحياة بسلام و أمان ووعي مرتفع.
والأمن يتحقق بالدرجة الأولى من الجانب الاقتصادي المادي، إذ إنّ المرء يحس تلقائياً بالاطمئنان و الاستقرار عندما يتوفر لديه أمن مادي، و لأنه عماد كل شيء، بوجوده تنتفي كل الاهتزازات التي يجوز لها أن تصير، وتقل الجرائم بشكل عام والإلكترونية بشكل خاص و الاعتداءات و تستقر النفوس و العقول، و يمضي العالم في خط مستقيم دون أي ميول.

ثم الأمن السياسي؛ و ذلك بوجود حكومة عادلة تستطيع  إخراج الأنظمة و القوانين المسنونة من قيود الحبر إلى أرض الواقع والتنفيذ، فتعيش بذلك الأمم في أمان وسكينة ليس لها إلا أن تعمق مفهوم الوطنية و عشق الانتماء والتوعية الإعلامية، ويغدو بذلك من الصعب إن لم نقل من المستحيل استعمار العقول الضعيفة والفكر المهتز سهل الميول، وينبغي إذاً أن نلمس تطبيقاً لأنظمة قد تم سنها وتوفيرها وفق قواعد أمنية تنظم حياة الأفراد داخل المجتمع.

إنّ وجود الأمن يخول للإنسان الحق في تأدية الوظيفة الأساسية التي خلقنا من أجلها، وهي الخلافة بالأرض بمعنى إعمارها، الخلافة التي لا تستقيم إلا بتوفر جو من الهدوء والأمان والدفء والاستقرار، ولا تستقيم بوجود النزاعات والفرقة بين أفراد المجتمع الواحد.
والإنتنرت هذه الأيام يعتبر أهم ركائز عمارة الأرض، فلو فقدنا الأمن والأمان على الإنترنت فلن نستطيع تأدية الوظيفة والرسالة وجب علينا تأديتها، وبمقال سابق كنا قد تحدثنا عن
ما هو الأمان على الإنترنت هل حقاً موجود! أم أنه أسطورة؟!

من ناحية أخرى قد تتوقف بعض مظاهر العبادة كالحج الذي يحتاج إلى توفر الأمن القومي بين الدول، و ذلك لتنقل الحجاج بسلام دون خوف.

و بالحديث عن الأمن القومي نجد انفسنا موقف مقاربة الأمن الفكري الذي يعتبر أساسا لكل شيء، إنه قاعدة وجود الأمان أو غيابه، إذ أن التفكير يسبق كل العمليات الفعلية التطبيقية الأخرى.
للأمن الفكري أهميته القصوى في حياة الأمة وذلك لفض المعركة القائمة بين الحق والباطل، إن الأمن الفكري هو سلامة فكر الإنسان وعقله وفهمه من الانحراف والخروج عن الوسطية والاعتدال في فهمه للأمور وتصوره لها بما يؤول به إلى الغلو و التعصب.
وفي نفس الصدد، يعرفه عبد الحفيظ المالكي في الصفحة 53 من كتابه  "نحو مجتمع آمن فكريا" بأنه يعني سلامة الفكر من الانحراف الذي يشكل تهديدا للأمن الوطني، أو أحد مقوماته الفكرية والعقدية والثقافية والأمنية والأخلاقية.
إنّ الأمن الفكري هو أساس وجود الأمان و ركيزته، و للوصول إلى فكر مجتمعي آمن نحتاج إلى فهم سليم مستعد لقراءة الشرائع الدينية بشكل صحيح ومعتدل، وكما يوافق الفطرة السليمة التي جُبل عليها الإنسان.

إنّ استقامة الحياة وسعادتها لا تحصل إلا إذا كان الإنسان آمنا على نفسه مرتاح القلب هادئ النفس، لا يخاف من أي شيء قد يهدد أمنه أو ينتهك حرماته أو يفرض عليه ما يتعارض مع دينه، و ثقافته من أفكار ومذاهب. وبناءً على ذلك فإنّ المرء عليه أن يكون يقظ القلب، مسخراً فكره في سبيل الحفاظ على مقاصد إنسانيته و تعزيز كيانه، و الحفاظ على أمنه من غائلة الأحداث ومكر الأفكار المستبدة التي تهز الاستقرار الروحي.

إنّ أهمية الأمن الفكري تنبع من ارتباطه بدين الأمة وأساس سموها وسبب مجدها و عزها، و من غايته التي تكمن في سلامة العقيدة واستقامة السلوك. علاوة على ذلك فإن الأمن الفكري يرتبط بأنواع الأمن الأخرى، فهو الركن الأهم في نظم بنائها.

لذا ينبغي تسليط الضوء على العناية بالفكر وذلك بتوفير كل أسباب حمايته واستقامته والمحافظة عليه، وكذا العمل على رصد ودراسة كل ما قد يؤثر على سلامة الفكر واستقامته.

 يجب معالجة أسباب اختلال الفكر السديد بأن يكون العلاج من واقع الأمة، مستقى من مصادر فكرها وعقيدتها وبناء على مقتضيات حاجتها.
إنّ الأمن الفكري متعلق بالعقل، وهذا الاخير هو آلة الفكر وأداة التأمل والتفكر الذي يعتبر أداة لاستخراج المعارف وطريقا لبناء الحضارات وتحقيق الاستخلاف في الأرض، فكانت بذلك المحافظة على العقل وحمايته من المفسدات مقصداً من مقاصد الشريعة؛ و سلامته لا تتحقق إلا بالمحافظة عليه من المؤثرات الحسية و المعنوية. وإن الاخلال بكل ما سلف ذكره يجعل كل الجهود المبذولة لتحقيق السلم والامان تذهب هباء منثوراً.

إنّ الأمن والأمان هما غايتان ومطلبان تسعى كل الأمم والمجتمعات إلى تحقيقهما، هذا التحقيق الذي يستدعي اشتغال عدة مؤسسات بشراكة واتصال في مواجهة الجريمة الإلكترونية. ولعل أول تلك المؤسسات هي مؤسسة الأسرة، فالأسرة يجب أن توفّر للطفل الأمان النفسي والروحي والجسدي بكل الطرق، يجب أن يكون للأسرة تكوين في مجال التربية، يجب ان تكون الأسرة نفسها مستقرة النفس مطمئنة القلب سليمة الفكر؛ فإذا ترعرع الطفل في أمان سينتج فكراً آمنا عنوانه حب الغير والتعايش و السلام، وهذا الطفل نفسه هو شابُّ الغد و هو الأب والأستاذ والفقيه والمفتي والموجّه نحو الصّواب أو عكسه. لذا ينبغي ان يكون الزرع جيداً مثمراً و يزرع  في أرض خصبة خصوبتها الوئام و الأمان.

بحديثنا عن الأسرة نكون قد لخصنا كل المؤسسات الأخرى لأنها تنبثق عنها بشكل أو بآخر، (المدرسة والمجتمع  والرفقة والدولة وغيرها من السلطات) كلها تعكس مجهود الأسرة بالإيجاب أو بالسلب؛ فالأستاذ إذا تربّى جيدا سيعكس ذلك، والمجتمع إذا سلم فكريا سيعكس ذلك، والحاكم إذا تشبث بمبادئ العدل سيعكس ذلك ،و الكل في ترابط و تداخل.

الأمان في النهاية غاية قصوى ضرورية لضمان البقاء لكل الكائنات الحية بما في ذلك الإنسان الذي يجب أن يصنع الأمن لنفسه فكرياً بالدرجة الأولى، و بذلك يتحقق الأمان بشكل عام و على وجه عام لأن الفرد لا يستطيع تحقيق الأمان لنفسه وسط مجتمع يحول دون تحقيق ذلك وبشكل خاص الحماية من الجرائم الإلكترونية.

 

كلمات مفتاحية: الجريمة الإلكترونية التوعية الاعلامية المعلمون والمرشدون


عدد القراءات: 640