تُعدّ عملية التربية من أهمّ الأمور التي يتوجب على الأسرة الاعتناء بكيفيتها، والاهتمام بالوسائل والأساليب المُتّبعة للقيام بها على أكمل وجه، وبخاصة فيما يتعلق بتوفير وسائل الإنترنت الآمن للأطفال وتربيتهم على قواعدها.


إنّ الطرق التي نتّبعها كآباء وأمهات في التربية وإن اختلفت بفعل الثقافة، والعادات، والتقاليد، والأجيال المتلاحقة، وغيرها الكثير؛ يبقى الأساس التربويّ لها واحد ويهدف إلى مكارم الأخلاق بالدرجة الأولى.

فالتربيّة هي الفعل المقصود، الذي يهدف إلى تزويد الأبناء بفضائل الأخلاق والسلوكيات المقبولة، والطبائع المحمودة، مما يرقى بالطفل إلى مراحل نموٍّ سويّة يكون قادراً فيها على التكيّف مع نفسه أولاً ثمّ مع بيئته المحيطة ثانياً.

وكما نعلم فإنّ عصر القرن الواحد والعشرين يمتازُ بكمّ الوسائل التكنولوجيّة المختلفة، حيث يشغل الإنترنت حيزاً كبيراً من حياتنا اليوميّة، مع دخوله في مختلف المجالات واستعمالاته المتعددة؛ ولا بدّ لنا أن نقف عند هذه النقطة، ونفكرّ بطريقة تشبه نمط حياتنا، بعيداً عن الكلام المكرّر وما نسمعه وقد مللنا منه عن مخاطر الإنترنت وفوائده.

لنبدأ بسؤال أنفسنا أولاً لماذا نستخدم الإنترنت؟
حين نجد إجابة منطقيّة تدلّ على استخدامه لأغراض العمل ولساعات محددّة، أو للترفيه ولكن لساعات قليلة جداً، فيمكن اعتبار أنفسنا كراشدين آمنين.
ويشمل الأمن هنا، الأمن النفسيّ الذاتيّ، والأمن البيئيّ، إذ يمكن للأمن البيئي أن يضم أفراد الأسرة، الأخوة والأخوات، والأبناء، والأصدقاء، فالتأثير متبادل بفعل الجماعة.

إذا كان لدينا الوعي الكافي بمعنى الإنترنت، وفي ماذا نستخدمه وكيف يتم ذلك، هذا يعدّ مؤشراً على أهليتنا لتربية أبنائنا على الاستخدام الآمن للإنترنت.

تنبثق أهميّة الحديث في صلب هذا الموضوع عن كونه ناجم عن خلفيّة واقعيّة وحدث نعاصره ويتكرر في حياتنا، فلم يعدّ الإنترنت يقتصر على فئة معيّنة بل تخطّى هذه المرحلة ليشمل مختلف الفئات العمريّة من أطفال وشباب وكبار بالسنّ.

لقد اتّسع مفهوم التربية ليتناسب مع العصر وليشمل تربية الأطفال على استخدامهم الإنترنت بشكلٍ آمن
وذلك ناتج عن العواقب السلبيّة التي قد تترتب على استخدام الإنترنت بشكل خاطئ، ومنع الأطفال من استخدامه سيحول دون أيّ فائدة بل إنه سيؤدي لسلوكيات غير مرضية من قبل الأبناء، فالمراهق سيلجأ لاستخدام الإنترنت في أماكن غير المنزل كالمقاهي أو المدرسة أو من خلال الأصدقاء، لذلك لا بد من التوصل لطريقة نتعامل بها مع أطفالنا في نفس الوقت الذي سنسمح لهم باستعمال الإنترنت.

يتوجّب علينا بدايةً أن نستخدم لغة الحوار والتفاهم وبناء القدرة على التواصل الفعّال مع أبنائنا
وذلك لرفع مستوى وعيهم حول الاستخدام السليم والمسؤول للإنترنت لتأمين بيئة أكثر سلامة وأمناً لهم على الشبكة؛ فالحوار سيبني دعائم الثقة ويكسر حواجز الخوف من أن يبوح الأطفال لنا بنشاطاتهم وما يدور في خواطرهم.

من الضرورة توجيه الأطفال إلى استخدامات الإنترنت الجيّدة والتي لا تقتصر على الالعاب الترفيهيّة فقط بل تشمل كونه وسيلة تعليميّة هادفة
تستخدم لزيادة المعرفة من خلال البرامج التثقيفيّة، وغيرها من الوسائل التي تساعد في عمل البحوث وتطوير المهارات والقدرة على التحليل والاستنتاج.

ثمّ إنّ الاتفاق مع أطفالنا على أخذ الحيطة والحذر فيما يتعلق بسريّة معلوماتهم وعدم مشاركة خصوصياتهم على العامّة من أهم الأمور التي تحميهم، وتجعلهم على درجة من الوعي اللازم لحفظهم من التعرّض للإساءات، وتمكينهم من وضع حدود للآخرين في التدخل بما هو خاصّ، وهذا بدوره يعمل على زيادة ثقة الأطفال بأنفسهم وتقوية شخصيتهم.
ومن المهم تعليمهم ماذا يفعلوا حين يتعرضوا لمضايقات من أطفال آخرين عبر الإنترنت!

 إنّ الأطفال في مرحلتهم العمريّة يحتاجون بطريقة أو بأخرى إلى وجود ضوابط في المنزل وقواعد وقوانين يسيرون وفقها
ومثالاً على ذلك؛ منعهم عن الجلوس لمشاهدة التلفاز حتى ينتهوا من واجباتهم المدرسية، أو تحديد موعد لوجبة العشاء، هذا الأسلوب يعلّمهم النظام والالتزام ويعزز مشاعر الاستقرار لديهم. وبالمثل تحديد ساعات معيّنة للجلوس على شبكة الإنترنت مع الزامهم بعدم تجاوز الوقت المحدد، بالإضافة إلى وضع هدف لاستخدامهم الإنترنت وتدوينه على ورقة يمكّنهم من السيطرة فيما بعد على مهامهم وإكسابهم مهارة ضبط الذات والوقت. بعد ذلك سيكون لسؤال الوالدين عن مدى الاستفادة التي حققها أطفالهم من جلوسهم على الإنترنت وجديد ما تعلموه أثراً إيجابياً في نفوسهم يشجعهم فيما بعد على مشاركة ما يفعلوه وما يحدث معهم.

ونودّ الإشارة هنا إلى أهمية مشاركة الأبناء الجلوس على شبكة الإنترنت، وإشراكهم بتصفح المواقع المسليّة والمفيدة
إن ذلك يوطدّ العلاقات ويقرّب المسافات العمريّة، ومنه شعور الأبناء بالراحة وبوجود من يشاركهم أوقاتهم داخل إطار الأسرة فلا يلجؤون إلى البحث عن الأصدقاء الوهميين أو من يشبع حاجاتهم الوجدانيّة والنفسيّة.

وفيما يلي بعض العلامات التي تدلّ على عدم سلامة أبنائنا جسدياً ونفسياً، إثر تعرضهم لموقف ما على شبكة الإنترنت:
الانطواء والانعزال، بحيث يتجنب الطفل الاحتكاك بالمحيط وتفضيله الجلوس وحيداً.

  • شعور الطفل بالإحراج، إذا تمّ سؤاله عن أنشطته على الشبكة ومحاولة تجنب الإجابة.
  • الخوف من الحديث مع الغرباء.
  • الاضطراب والسريّة التي يظهرها الطفل في حال اقترب أحد من شاشة الحاسوب.
  • الشعور بالذنب، والبكاء لأسباب غير واضحة.

أطفالنا يصبحون ضحايا الإنترنت بسبب المواقع والروابط التي يتم فرضها عليهم، والتربية السليمة تلعب دوراً أساسياً في حمايتهم على الصعيد النفسي والجسدي، ولا تقلّ أهمية التربية التكنولوجيّة عن التربية الأخلاقيّة إذ يكملان بعضهما البعض.

حبّ الاستكشاف والفضول للمعرفة من ضروريات المرحلة العمريّة، وتهذيب الطرق التي يتبعها أبناؤنا وغرس القيم الأخلاقية الوسيلة الأكثر أمناً وضماناً لتصفح آمن وسليم لشبكة الإنترنت.

 

المؤلفون

هيا سويدان

مبادرة الأمن والأمان على الإنترنت

كلمات مفتاحية: تربية الأطفال أولياء الأمور المعلمون والمرشدون حماية الاطفال مرحلة الشباب


عدد القراءات: 1464