صار الأمن القومي وأمن المعلومات هاجساً يؤرق صناع القرار في الدوائر الحكومية، ويقض من مضجع الدول والحكومات التي تخشى من حدوث اختراقات، وبث أفكار خاطئة معادية لقيم الدولة وتوجهاتها، وتضرب في الصميم بأمنها واستقرارها.

وخير مثال على ذلك وهو ليس منا ببعيد الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، وما أعقبها من توجيه أصابع الاتهام للطرف الروسي بالتأثير على نتائج الانتخابات من خلال الولوج إلى بيانات المنتخبين والتلاعب باستطلاعات الرأي العام.

وحتى في المجال الاقتصادي لم تسلم الشركات الكبرى والمتعددة الجنسيات من عمليات قرصنة وابتزاز وحتى بالتهديد بما لا يحمد عقباه.

وعلى المستوى العائلي والاجتماعي يشكل الاستعمال السيء للإنترنت عموماً، والإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً، عند الأطفال وما يشكلانه من تهديد؛ هاجساً للآباء الذين وقفوا عاجزين أمام المد الكبير الذي دخل بيوتهم دون استئذان، ولذا يشغل موضوع السلامة والأمن على الشبكة العنكبوتية حيزاً مهماً في التنشئة النفسية والأخلاقية للطفل، ومربط الفرس للوعاظ والخطباء، وحجر الزاوية لرأب الصدع ودحض الأفكار الغريبة والدخيلة على مجتمعاتنا، فهو يفرض نفسه كموضوع الساعة ومستجد العصر، وأولى الأولويات التي تَنْصَبُ حولها الاهتمامات، وتُنْصَبُ لها الدوائر المستديرة ويدعى إليها الخبراء والمفكرون والمنظرون والعلماء.

فالخطر موجود والصراع محتدم وهو على أوجه، ولذا وجب رفع التحدي وأقصى درجات الحيطة والحذر لمواجهة جميع أشكال الأخطار والتهديدات المترتبة عن الاستعمال الخاطئ للأنترنت، وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، لدى فئة واسعة ومهمة في المجتمع،وهي مستهدفة بقوة باعتبارها فريسة سهلة المنال وأرضية خصبة لتقبل مختلف التيارات، وتبني أفكارها لغياب البديل لدى شبابنا من جهة وعدم قدرتهم على التمحيص والغربلة من جهة أخرى، مما يجعلهم عرضة للاستقطاب من طرف أصحاب الخطابات المتعصبة والمتطرفة والمشيدة بالأعمال العنيفة التي تستهوي الشباب وخاصة المكبوتين والمحرومين منهم.

وهي مرتع لأصحاب النزوات العابرة والشهوات الشاذة الساقطة الذين يتربصون بالأولاد القصر بخاصة

وهذا المقال التوعوي يتحدث عن انتحال الشخصية بالإنترنت وضرورة رفع وعي أطفالنا أولاً

وباعتبار القضية مسألة أمن قومي تهم الرأي العام وتمس كل أطياف المجتمع، ومع تزايد التهديدات وتسارع التطور التكنولوجي الرهيب الذي يتجاوزنا في أحايين كثيرة، وجب علينا أن نتجند جميعا وتتظافر جهودنا أفراداً كنا أو مؤسسات رسمية أو هيئات استشارية، أو مراكز أبحاث ومنظمات مجتمع مدني، فالإعلاميون والمثقفون والسياسيون والخطباء والمرشدون والأكاديميون والناشطون كلهم معنيون بالتدخل وهذا قبل فوات الأوان.
 

ولكن كيف السبيل وماهي الطرق الآمنة الناجعة التي تحول دون انجراف الشباب مع هذا السيل العارم من الأفكار الهدامة المثبطة؟

وهذا إذا أخذنا بعين الاعتبار وجود اختلاف بين عقليتين مختلفتين تماما، وجيلين منفصلين، جيل الآباء، وجيل جديد متفتح ثائر لا يقبل التقييد وفرض الآراء عليه، ومع ذلك لا يجب أن نترك أطفالنا لوحدهم عرضة وفريسة سهلة لأخطار تتربص بهم العالم الوهمي المظلم والخفي للأنترنت دون أن نحرك ساكنا وكأنّ الأمر لا يعنينا فالمسؤولية مسؤولية الجميع.

هذه نقاط ينبغي التركيز عليها والاعتناء بها:

  • رفع الوعي لدى الشباب والناشئة بالأخطار المحدقة بهم حَالَ الانغماس في الجانب السلبي للأنترنت من خلال الأيام التحسيسية والبرامج التوعوية في مختلف وسائل الإعلام، وتثمين دور مؤسسات المجتمع المدني والجمعوي والتكثيف من أنشطتها.
  • بتنصيب ورشات وفضاءات تُعْنَى بنشر الوعي المعلوماتي والتثقيف التكنولوجي في الوسط المدرسي.
  • خلق برامج جديدة هادفة تتطرق في محتواها للاستعمال الآمن والسليم للتكنولوجيا المحيطة بنا.
  • تطوير مواقع خاصة بالأطفال تلبي رغبة الأطفال وتشبع شغف المعرفة والفضول لديهم.
  • توفير بدائل ومراكز تساعد الشباب في الترويح عن النفس وشحذ الهمم وتحرير الطاقات الكامنة واكتشاف المواهب كمراكز الثقافة والفنون والتسلية وقاعات الرياضة والسباحة والحظائر التكنولوجية دون أن ننسى أهمية دعم الشباب المبدع والتكفل بمشاريعهم وابتكاراتهم.
  • توفير الحاضنة الاجتماعية للشباب، وذلك بالاستماع لانشغالاتهم وتطلعاتهم ومشاطرتهم إياها.
  • عامل آخر مهم يتمثل في حجب المواقع الإباحية والإجرامية التي لا تتناسب محتوياتها مع العمر الادراكي والفطري السوي للأطفال، أو تلك التي تتنافى مع أعراف وقيم المجتمع وتضرب في الصميم هويتها وسلامتها، فتوضع لأجل ذلك آليات صارمة لمراقبة محتوياتها وترصد لها ترسانة قانونية وتشريعية لضبطها ومعاقبة المنتهكين والمخالفين دون هوادة أو تراخ ،مع ترك هامش لحرية التعبير دون تقييدها والتضييق، وتعزيز ثقافة الحوار البناء الهادف، وتنوير الرأي العام في القضايا المصيرية والتي يلعب على أوتارها غيرنا.
  • ويبقى الاستثمار الناجح في التكنولوجيا الحديثة ونُظمُ الاعلام الآلي والشبكات ضرورة حتمية تفرض نفسها بإلحاح، ويكون ذلك بمرافقة المؤسسات الناشطة في هذا المضمار، وبدعم الشباب المختص في البرمجة وتطوير البرامج، بقصد نمذجة التهديدات ورصدها، لمعالجة كل الثغرات والخروقات في النظام المعلوماتي والأمني، الذي يأتي من اختراق القراصنة عبر البرامج الخبيثة والفيروسات التي تسعى الى الوصول الى معلومات الغير الخاصة وملفاتهم دون اذن منهم، وتستهدف السلامة المادية والشخصية والأنظمة التي تشكل مستويات الأمان الثلاث.

 

لذا وجب أن نتكيف مع هذا الوضع من خلال تحديد وإيجاد حلول آنية وفورية لكل مستجد يطرأ على النظام المعلوماتي وخوض غمار معركة البرمجة ومواقع التواصل، وأن نتعامل بسلاسة وبكل صرامة وجدية فيما يخص تدفق المعلومات من حيث السرية والأمانة والتوافر.

ووجب أيضا عدم تخوف المجتمعات من التطور التكنولوجي، وعدم الانغلاق والتقوقع بل يجب رفع التحدي للتبادل والاحتكاك بالعالم المتطور وإبراز روح الشباب مع الحفاظ على خصوصيتنا دون طمس للهوية واضمحلال للشخصية، فحجب كل المواقع لم يعد ممكنا والقبضة الأمنية لوحدها لا تجدي نفعا، فالألفية الجديدة هي ألفية الإنترنت شئنا أم أبينا ولكن يلزم التصدي لكل الظواهر السلبية وخوض غمار التنافسية.

 

 

كلمات مفتاحية: الأمن القومي الجريمة الإلكترونية الخصوصية


عدد القراءات: 257